روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | علامات محبّة النبي صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > علامات محبّة النبي صلى الله عليه وسلم


  علامات محبّة النبي صلى الله عليه وسلم
     عدد مرات المشاهدة: 2832        عدد مرات الإرسال: 0

*1= ليس حبّ نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم مجرَّدَ كلماتٍَ يردِّدُها الشعراء! أو خُطَبٍ يتلُوها على المنابر الخطباء! ولكنّ محبّةَ النبي صلى الله عليه وسلم فوق ذلك نفحةٌ ربّانيّةٌ وعقيدةٌ إيمانيّةٌ تستشعر رباط الأرض بالسماء! كما قالت أُمُّ أيمن: إنما أبكي لأنّ الوحي قد إنقطع من السماء!

أ) ولله درُّ من قال:

تُبدي الغرامَ وأهلُ العشقِِ تكتمهُُ *** وتدّعيهِ جِدالاً من يسلِّمُهُ؟

ما هكذا الحُبُّ يا من ليس يفهمُهُ! *** خلِّ الغرامَ لصبٍّ دمعُهُ دمُهُ!

حيرانَ تُوجدُه الذكرى وتُعْدِمُهُ!

ب) وقد روى البخاري في كتاب الإيمان من باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان: حديث أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده»، قال الحافظ ابن حجر: المراد سيّدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، بقرينة قوله: «حتى أكون أحبَّ»، وإن كانت محبّة جميع الرسل من الإيمان، لكنّ الأحبيّة مختصّة بسيّدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

وقد إتفق الشراح على أنّ ذكر «الوالد والولد» في الحديث، لأنهما أدخل في المعنى من النفس، لأنهما أعزّ على العاقل من الأهل والمال، بل أعزّ من نفس الرجل على الرجل، ولله درّ القسطلاني حيث قال: القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يذوق طعم الإيمان ويتنعّم به كما يذوق الفم طعم العسل، ولا يذوق ذلك ولا يتنعّم به إلا من كان الله ورسوله أحبَّ إليهما مما سواهما من نفسٍ، وولدٍ، ووالدٍ، وأهلٍ، ومالٍ وكل شيء!

ت) ولله درّ الحافظ ابن رجب، حيث قال: إنّ أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهارُ محمد صلى الله عليه وسلم لهم، وبعثته ورسالته إليهم، كما قال تعالى: {لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}، فإنّ النعمة على الأمة بإرساله أعظم من النعمة عليهم بإيجاد السماء والأرض والشمس والقمر...

ث) ورضي الله عن ابن عمر، فقد روى البخاريُّ في كتاب الإستسقاء أنه قال: رُبَّما ذكرتُ قولَ الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبيِّ صلى الله عليه وسلم يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كلُّ مِيزابٍ:

وأبيضَ يُسْتسقَى الغمامُ بوجهِهِ *** ثِمال اليتامى عِصْمة للأراملِ!

*2= ومن علامات محبّة النبي صلى الله عليه وسلم الاقتداء به وإحياء سنته.

أ- فقد قال القاضي عياض: اعلمْ أنّ من أحبّ شيئاً آثره وآثر موافقتَه، وإلا لم يكن صادقاً في حبّه وكان مدّعيا، فالصادقُ في حبّ النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه: وأوّلها الإقتداء به، وإستعمال سنّته، وإتباع أقواله وأفعاله، وإمتثال أوامره وإجتناب نواهيه، والتأدّب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله}، وإيثار ما شرعه وحضّ عليه على هوى نفسه وموافقة شهوته، قال الله تعالى: {والذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}، وإسخاط العباد في رضا الله... فمن إتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبّة لله ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبّة، ولا يخرج عن اسمها.

ب- ولله درّ الإمام أحمد بن حنبل حيث قال: ما كتبتُ حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا قد عملتُ به، حتى مرّ بي الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم إحتجم وأعطى أبا طيبةَ ديناراً، فأعطيتُ الحجام ديناراً حتى إحتجمت!

*3= ومن علامة حبّ النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الصلاة عليه، وشدّة الشوق إليه، ومن هنا فإنّ أهل المحبّة لا يخفون، لأنّ وجوهَهم الزاهرة قد أشرقتْ بأنوار قلوبِهم العامرة، كما قيل:

إنّ المُحِبِّين قومٌ بين أعْيُنِهم  وَسْمٌ *** من الحبِّ لا يخفى على أحَدِ!

أ)- وقد صرّح بذلك عياض في قوله: من علامة محبّة النبي صلى الله عليه وسلم كثرة ذكره، فمن أحبّ شيئاً أكثر ذكره، ومنها كثرة شوقه إلى لقائه، فكل حبيبٍ يحبّ لقاء حبيبه، وفي حديث الأشعريين لما قدموا المدينة أنهم كانوا يرتجزون: غداً نلقى الأحبّهْ!  محمَّداً وصحبَهْ!

ب)- ورضي الله عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد إحتبس عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ضرب زوجتَه المخاضُ، وقال: إنك لتعلم يا ربّ أنه يُعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج وأدخل معه إذا دخل، وقد احتُبسْتُ بما ترى!

ت)- ولهذا المعنى كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لا يرضون أن يتخلّفوا عنه: كما قال عليّ رضي الله عنه يوم خيبر: أنا أتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ويكفيك دلالةً على شدّة حبّ الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم جوابُ أنس لمن سأله عن حضور حُنين مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رضي الله عنه: وأين أغيب عنه؟!

ث)- ورحم الله من قال:

لا سكَّن اللهُ قلباً عَنَّ ذكرُكُمُ *** فلم يَطِرْ بجناحِ الشوق خفّاقا

لو شاء حَمْلِي نسيمُ الرِّيح حين *** هف وافاكُمُ بفتًى أضناهُ ما لاقى!

فالآنَ أحْمَدَ ما كُنّا لعهدِكُمُ *** سَلَوْتُمُ وبَقِينا نحنُ عُشّاقا!

*4= ومن علامات محبّة النبي صلى الله عليه وسلم التأدّب معه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره عند ذكره.

أ= وقد روى مسلم عن عمرو بن العاص أنه قال: ما كنتُ أُطيقُ أن أملأ عينيَّ منه، إجلالاً له، ولو سُئلتُ أن أصِفَه ما أطقتُ، لأنِّي لم أكنْ أملأ عينيَّ منه، ولو متُّ على تلك الحالِ، لرجوتُ أن أكونَ من أهلِ الجنّة! ولله درُّ من قال:

فجادوا والمَهابةُ قد علتْهُمْ *** بموفورِ التحيّةِ والسلامِ

ولولا أنه فرضٌ عليهم *** لَهابُوا أنْ يُفُوهُوا بالكلامِ!

ب= وقد أورد القاضي عياض في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته: عن مالك  وقد سئل عن أيوب السختياني  قال: ما حدّثتكم عن أحدٍ إلا وأيوب أفضل منه، وحجّ حجّتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه، غير أنه كان إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه، فلما رأيتُ منه ما رأيتُ وإجلالَه النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتبتُ عنه!

*5= ومن علامة حبّ النبي صلى الله عليه وسلم كذلك موافقته في الحبّ والبغض، والقيام بحق المنتسبين إلى خدمته صلى الله عليه وسلم:

أ- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها لما جاءت تبلّغه غيرة نساء النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة: «يا بُنيَّة! ألا تُحبّين من أُحبّ؟» قالت: بلى، وفي رواية: قالت: والله لا أكلّمه فيها أبدا!.

ب- وقد جاء ذلك صريحاً في حديث أبي داود والبزار  واللفظ له  «أوثق عرى الإيمان: الحبّ في الله، والبغض في الله»، قال عياض رحمه الله: ومنها محبّته لمن أحبّ النبي صلى الله عليه وسلم ومن هو بسببه: من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار، وعداوة من عاداهم وبغض من أبغضهم وسبّهم! ولله دَرُّ القحطانِي حيث قال:

 إنّ الروافضَ شرُّ من وطيء الحص مِن كلِّ إنسٍ ناطقٍ أو جانِ!

مَدَحُوا النبيَّ وخَوَّنُوا أصح *** ورَمَوْهُمُ بالظلمِ والعُدوانِ!

حَبُّوا قرابتَهُ وسَبُّوا صَحْبَهُ! *** جَدَلانِ عند اللهِ مُنْتَقِضانِ!

قال عياض: وهذه سيرة السلف حتى في المباحات وشهوات النفس، وقد قال أنس رضي الله عنه وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتتبّع الدبّاء من حوالي القصعة: فما زلت أحبّ الدبّاء من يومئذ! وقد روى مسلم عن ميمونة أنها قالت: لا آكُلُ من شيءٍ إلا شيء يأكل منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم! وعن جابر حين سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الإدامُ الخَلُّ»، قال: فما زلتُ أُحبُّ الخَلَّ، منذ سمعتُها من نبيِّ الله! وعن أبي أيوب لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الثوم: «أكرهه، من أجل ريحِهِ»، قال: فإنّي أكره ما كرهتَ!

ت- ويدخل في هذا الباب حُبُّ أهلِ الحديث الشريف، فإنهم من أعظم الناس خدمةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم خاصّتُه كما ذكر ابن كثير في تفسير قول الله عزّ وجل: {يوم ندعو كلَّ أُناسٍ بإمامهم} عن بعض السلف أنه قال: هذا أكبرُ شرفٍ لأصحاب الحديث، لأنّ إمامَهم النبي صلى الله عليه وسلم، فمن لنا بصحبة تلكم الفرقة الناجية!  


ث- ورحم الله جريرَ بن عبد الله، فقد قال أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرجتُ مع جرير بن عبد الله البجليّ في سفرٍ، فكان يخدمني، فقلتُ له: لا تفعلْ، فقال: إنّي قد رأيتُ الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً آليتُ أن لا أصحبَ واحداً منهم إلا خدمتُه، قال النووي رحمه الله: في حديث جرير بن عبد الله وخدمته لأنس، إكراماً للأنصار دليلٌ لإكرام المحسن والمنتسب إليه وإن كان أصغرَ سنّاً، وفيه تواضعُ جريرٍ وفضيلته وإكرامه للنبي صلى الله عليه وسلم وإحسانه إلى من إنتسب إلى من أحسن إليه صلى الله عليه وسلم!

*6= ومن علامة حبّ النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على التمسّك بهديه، وتحمُّل الأذى في سبيله:

أ= وقد قال البدر العيني في شرح: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين» المراد من الحديث بذلُ النفس دونه صلى الله عليه وسلم.

ب= وقال القسطلاني رحمه الله: من علامات هذه المحبّة: نصرُ دين الإسلام بالقول والفعل، والذبّ عن الشريعة المقدَّسة، والتخلّق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في الجود والإيثار والحلم والصبر والتواضع، فمن جاهد نفسَه في ذلك وجد حلاوةَ الإيمان، ومن وجدها استلذّ الطاعات، وتحمّل في الدّين المشقّات، بل ربّما يلتذّ بكثيرٍ من المؤلمات!

ت= وما أحسنَ ما قيل في هذا المعنى:

ما الحُبُّ إلا لقومٍ يُعرَفُون بِه قد *** مارسوا الحُبَّ حتى هانَ مُعْظمُهُ!

عَذابُهُ عِنْدَهُمْ عَذْبٌ وظُلْمتُهُ *** نُورٌ ومَغْرَمُهُ  بالراءِ  مَغْنَمُهُ!

ث= ورحم الله أمَّنا عائشة حبيبةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى عروة بن الزبير أنّ حسّان بن ثابت كان ممّن كثّر على عائشة، فسببتُه، فقالتْ: يا ابنَ أختي لقد كان يُنافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النووي: أي يُدافع ويُناضل. وفي روايةٍ: كان يذبّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!

ح= وروى البخاري في كتاب الإعتصام عن شيبان بن عثمان بن طلحة أن عمر قال له: هممتُ أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين، قلت: ما أنت بفاعلٍ، قال: لمَ؟ قلت: لم يفعله صاحباك! قال: هما المرآن يُقتدى بهما!.

د= وكذلك شأن أنس رضي الله عنه كما قال أبو أمامة بن سهل في الصحيحين: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلى العصر، فقلت: يا عمّ! ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله التي كنا نصلي معه.

وقد روى البخاري في -مواقيت الصلاة، باب تضييع الصلاة عن وقتها- عن الزهري قال: دخلتُ على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلتُ له: ما يُبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعتْ.

*7= ومن علامات حبّ النبي صلى الله عليه وسلم النصح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. أ)= قال عياض رحمه الله: ومن علامة حبِّه شفقتُه على أمّته، ونصحُه لهم، وسعيُه في مصالحهم، ورفعُ المضارّ عنهم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفاً رحيما!

ب)= وقال النووي رحمه الله في شرح حديث «الدّين النصيحة»: وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيّاً وميتا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقّه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبثّ دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها.

الكاتب: د. محمد عمر دوله.

المصدر: شبكة مشكاة الإسلامية.